التاريخ الإسلامي
دون تشويه أو تزوير
التاريخ الإسلامي يمتد منذ بداية الدعوة الإسلامية بعد نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تأسيس الدولة الإسلامية بالمدينة المنورة وحكم الخلفاء الراشدين، مرورًا بالدولة الأموية فالدولة العباسية بما تضمنته من إمارات ودول مثل السلاجقة والغزنوية في وسط آسيا والعراق وفي المغرب الأدارسة والمرابطين ثم الموحدين وأخيرًا في مصر الفاطميين والأيوبيين والمماليك ثم سيطرة الدولة العثمانية التي تعتبر آخر خلافة إسلامية على امتداد رقعة جغرافية واسعة، وهذه البوابة تعنى بتوثيق التاريخ من مصادره الصحيحة، بمنهجية علمية، وعرضه في صورة معاصرة دون تشويه أو تزوير، وتحليل أحداثه وربطها بالواقع، واستخراج السنن التي تسهم في بناء المستقبل.
ملخص المقال
لعمر بن الخطاب رضي الله عنه كثيرًا من مواقف الرحمة، وتُعد صفة الرحمة من الصفات الأساسية لعمر بن الخطاب رضي الله عنه.
هناك العديد من صور ونماذج الرحمة كالرحمة بالمريض ورحمة الاب والأم وغير ذلك، وقد اتصف عمر بن الخطاب رضي الله عنه بهذه الصفة الحميدة، ولكن ما نتكلم عنه في هذا المقال رحمة عمر الخاصة، أو الجوانب الفريدة من رحمته رضي الله عنه:
أولًا: رحمة عمر بالمخطئ:
في شرح مشكل الآثار عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَأَى رَجُلًا يَقْطَعُ مِنْ شَجَرِ الْحَرَمِ وَيَعْلِفُهُ بَعِيرًا لَهُ، قَالَ: فَقَالَ: عَلَيَّ بِالرَّجُلِ، فَأُتِيَ بِهِ فَقَالَ: "يَا عَبْدَ اللهِ، أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ مَكَّةَ حَرَامٌ، لَا يُعْضَدُ عِضَاهُهَا وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا وَلَا تَحِلُّ لُقَطَتُهَا إِلَّا لِمُعَرِّفٍ؟ "فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، وَاللهِ مَا حَمَلَنِي عَلَى ذَلِكَ إِلَّا أَنَّ مَعِيَ نِضْوًا لِي[1]، فَخَشِيتُ أَنْ لَا يُبَلِّغَنِي أَهْلِي، وَمَا مَعِي زَادٌ وَلَا نَفَقَةٌ، فَرَقَّ عَلَيْهِ بَعْدَمَا هَمَّ بِهِ، وَأَمَرَ لَهُ بِبَعِيرٍ مِنْ إبِلِ الصَّدَقَةِ مُوَقَّرًا صَحِيحًا، فَأَعْطَاهُ إيَّاهُ وَقَالَ: "لَا تَعُودَنَّ أَنْ تَقْطَعَ مِنْ شَجَرِ الْحَرَمِ شَيْئًا"[2].
في مصنف عبد الرزاق الصنعاني: أخبر ابْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ عُمَرَ لَمَّا كَانَ بِالْمِخْمَصِ مِنْ عُسْفَانَ اسْتَبَقَ النَّاسُ، فَسَبَقَهُمْ عُمَرُ فَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: فَانْتَهَزْتُ فَسَبَقْتُهُ، فَقُلْتُ: سَبَقْتُهُ وَالْكَعْبَةِ، ثُمَّ انْتَهَزَ فَسَبَقَنِي، فَقَالَ: سَبَقْتُهُ وَاللَّهِ، ثُمَّ انْتَهَزْتُ فَسَبَقْتُهُ، فَقُلْتُ: سَبَقْتُهُ وَالْكَعْبَةِ، ثُمَّ انْتَهَزَ الثَّالِثَةَ فَسَبَقَنِي، فَقَالَ: سَبَقْتُهُ وَاللَّهِ، ثُمَّ أَنَاخَ، فَقَالَ: «أَرَأَيْتَ حَلِفَكَ بِالْكَعْبَةِ، وَاللَّهِ لَوْ أَعْلَمُ أَنَّكَ فَكَّرْتَ فِيهَا قَبْلَ أَنْ تَحْلِفَ لَعَاقَبْتُكَ، احْلِفْ بِاللَّهِ، فَأْثَمْ أَوِ ابْرَرْ»[3].
قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الروم: 21]، ومن هذه الآيات يتضح لنا أنَّ المودَّة مطلوبة بين الطرفين عندما يؤدِّي كلُّ واحدٍ منهما واجباته، وأيضًا الرحمة مطلوبة من طرف للآخر عندما يخطئ واحدٌ منها في حقِّ الثاني فيرحمه.
ثانيًا: الرحمة في التشريع:
في مصنف عبد الرزاق الصنعاني عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَاطِبٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ عُمَرَ أَصَابَتْهُ جَنَابَةٌ وَهُوَ فِي سَفَرٍ، فَلَمَّا أَصْبَحَ قَالَ: «أَتَرَوْنَا نُدْرِكُ الْمَاءَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ؟ "قَالُوا: نَعَمْ، فَأَسْرَعَ السَّيْرَ حَتَّى أَدْرَكَ فَاغْتَسَلَ وَجَعَلَ يَغْسِلُ مَا رَأَى مِنَ الْجَنَابَةِ فِي ثَوْبِهِ، فَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ: لَوْ لَبِسْتَ ثَوْبًا غَيْرَ هَذَا وَصَلَّيْتَ؟ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: «إِنْ وَجَدْتُ ثَوْبًا وَجَدَهُ كُلُّ إِنْسَانٍ، إِنِّي لَوْ فَعَلْتُ لَكَانَتْ سُنَّةً، وَلَكِنِّي أَغْسِلُ مَا رَأَيْتُ، وَأَنْضَحُ مَا لَمْ أَرَهْ»[4].
وفي موطأ مالك عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَاطِبٍ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ خَرَجَ فِي رَكْبٍ، فِيهِمْ عمرو بن العاص، حَتَّى وَرَدُوا حَوْضًا، فَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ لِصَاحِبِ الْحَوْضِ: يَا صَاحِبَ الْحَوْضِ هَلْ تَرِدُ حَوْضَكَ السِّبَاعُ؟ فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: «يَا صَاحِبَ الْحَوْضِ لَا تُخْبِرْنَا، فَإِنَّا نَرِدُ عَلَى السِّبَاعِ، وَتَرِدُ عَلَيْنَا»[5].
ثالثًا: الرحمة بكبير السِّنِّ ولو من أهل الكتاب:
الخراج لأبي يوسف عَن أبي بكرَة قَالَ: مَرَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِبَابِ قَوْمٍ وَعَلَيْهِ سَائِلٌ يَسْأَلُ: شَيْخٌ كَبِيرٌ ضَرِيرُ الْبَصَرِ، فَضَرَبَ عَضُدَهُ مِنْ خَلْفِهِ، وَقَالَ: مِنْ أَيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ أَنْتَ؟ فَقَالَ: يَهُودِيٌّ. قَالَ: فَمَا أَلْجَأَكَ إِلَى مَا أَرَى؟ قَالَ: أَسْأَلُ الْجِزْيَةَ وَالْحَاجَةَ وَالسِّنَّ. قَالَ: فَأَخَذَ عُمَرُ بِيَدِهِ، وَذَهَبَ بِهِ إِلَى مَنْزِلِهِ فَرَضَخَ لَهُ بِشَيْء مِنَ الْمَنْزِلِ، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى خَازِنِ بَيْتِ الْمَالِ فَقَالَ: انْظُرْ هَذَا وَضُرَبَاءَهُ؛ فَوَاللَّهِ مَا أَنْصَفْنَاهُ أَن أكلنَا شبيبته ثُمَّ نَخُذُلُهُ عِنْدَ الْهَرَمِ "إِنَّمَا الصَّدقَات للْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين"، وَالْفُقَرَاءُ هُمُ الْمُسْلِمُونَ وَهَذَا مِنَ الْمَسَاكِينِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَوَضَعَ عَنْهُ الْجِزْيَةَ وَعَنْ ضُرَبَائِهِ. قَالَ: قَالَ أَبُو بكرَة: أَنَا شَهِدْتُ ذَلِكَ مِنْ عُمَرَ وَرَأَيْتُ ذَلِكَ الشَّيْخَ[6].
رابعًا: الرحمة بغير المسلمين أن يموتوا على غير الإسلام:
روى الدارقطني عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: لَمَّا كُنَّا بِالشَّامِ أَتَيْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِمَاءٍ فَتَوَضَّأَ مِنْهُ فَقَالَ: «مِنْ أَيْنَ جِئْتَ بِهَذَا الْمَاءِ؟ مَا رَأَيْتُ مَاءً عَذْبًا وَلَا مَاءَ سَمَاءٍ أَطْيَبَ مِنْهُ»، قَالَ: قُلْتُ: جِئْتُ بِهِ مِنْ بَيْتِ هَذِهِ الْعَجُوزِ النَّصْرَانِيَّةِ، فَلَمَّا تَوَضَّأَ أَتَاهَا، فَقَالَ: «أَيَّتُهَا الْعَجُوزُ أَسْلِمِي تَسْلَمِي بَعَثَ اللَّهُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحَقِّ»، قَالَ: فَكَشَفَتْ رَأْسَهَا فَإِذَا مِثْلُ الثَّغَامَةِ[7] فَقَالَتْ: عَجُوزٌ كَبِيرَةٌ وَإِنَّمَا أَمُوتُ الْآنَ، فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «اللَّهُمَّ اشْهَدْ»[8].[9].
[1] نِضوًا: بعيرًا مسنًّا هزيلًا.
[2] الطحاوي: شرح مشكل الآثار، تحقيق: شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى، 1415هـ= 1494م، 8/ 178.
[3] عبد الرزاق الصنعاني: المصنف، تحقيق: حبيب الرحمن الأعظمي، المجلس العلمي، الهند، المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الثانية، 1403هـ، 8/ 468.
[4] عبد الرزاق الصنعاني: المصنف،1/ 370.
[5] مالك بن أنس: الموطأ، دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان، 1406هـ= 1985م، 1/ 24.
[6] أبو يوسف: الخراج، تحقيق: طه عبد الرءوف سعد، سعد حسن محمد، المكتبة الأزهرية للتراث، ص139.
[7] الثغامة: نبات أبيض الزهر.
[8] الدارقطني: سنن الدارقطني، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى، 1424هـ= 2004م،1/ 39.
[9] لمشاهدة الحلقة على اليوتيوب اضغط هنا: رحمة عمر رضي الله عنه
التعليقات
إرسال تعليقك